حين قالت الجماهير كلمتها وخرجت للشوارع تبحث عن الحرية وتطالب بإسقاط الأنظمة المتسلطة والتي استمرت تحكم بلدانها طويلا مستعملة شتى صنوف التعذيب وطرق مختلفة للاستمرار بالسلطة مستفيدة من الأجهزة البوليسية والقمعية التي شكلتها لإغراضها الخاصة وإدامة حكمها الدكتاتوري .
لقد لبت الجماهير الدعوات للخروج في تظاهرات حاشدة مطالبة بحريتها المسلوبة ورفع الظلم والاضطهاد التي تعرضت له على مدى العقود الماضية وتسلط مجاميع على الحكم استثمرت كل الإمكانيات التي وفرتها لها السلطة من فرض سيطرتها وتهيئة قاعدة خاصة بها وعدم فسح المجال للإطراف المعارضة للتحرك بحرية وتضييق الخناق عليها مما جعلها ضعيفة لم تستطع منافسة الإطراف الحكومية التي تملك السلطة والمال وتستغل إمكانية والدولة وتتحرك بها بالطريقة التي تريد حيث ولد هذا الاستحواذ على السلطة والقمع المتواصل للحريات الأرضية المناسبة لبروز حركة الاحتجاجات والتي ساهم الشباب فيها وشكل الجزء الأكبر منها واتسعت رقعتها إلى مختلف البلدان العربية ليكون التونسي محمد عزيزي الجذوة التي ألهبت الحماس وأضاءت الطريق للآخرين لتلحقها بلدان أخرى مطالبة بالخلاص .
إن أصوات الجماهير وهتافاتها المدوية قد ضاع صداها خلف أسوار المتاجرين بها لتكون طوقا يحجبها عن مطالبها الحقيقة ويبعد حركتها عن المسار الذي خطط لها بعد أن تكالب عليها الكثير من مغتنمي الفرض وفارضي الآراء والإرادات ومحركي الأحداث من خلف الكواليس مستغلين النفوذ الذي يتمتعون به والإمكانات المالية المتوفرة لهم ليحركوا ما يريدون وفق أهوائهم الخاصة وطرقهم التي تخدم مصالحهم وأهدافهم مستغلين الاندفاع العفوي لهذه الجماهير وعدم انتظامها بتشكيلات معينة تضمن لها البقاء والديمومة مما دفع تلك الأطراف ان تفرض أجندتها الخاصة والاستفادة من بعض المنتفضين وتوجيههم وفق ما يريدون موفرين لهم الدعم المالي والتدريب واستغلال التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي الذي اعتبر الحلقة الرئيسة والوسيلة الأولى في تعبئة الجماهير وتحريضها على التجمع والتواصل والاستمرار بحركتها الاحتجاجية والمظاهرات لتكون ورقة ضغط على الحكومات كما حدث في الثورة المصرية والثورة التونسية وما تلاها من حركات احتجاجية أخرى في ربيع الثورات ت العربية .
لقد فقد ربيع الثورات العربية نضارته وأفل نجمه وصودرت أهدافه من قبل بعض الدول التي نصبت أنفسها بدون وجه حق قيمة عن الشعوب لتتحكم بمصائرها وتخطط نيابة عنها وتكون هي التي تحدد ما تريد وليس الشعوب رغم التضحيات التي قدمها لان ما يعنيها ان تكون مصالحها فوق الجميع وان ما تريده الجماهير إذا كان لم يتوافق مع ما تريد فإنها تحاول بكل ما تملك من نفوذ إن تعرقل تلك التحركات وتحجمه وتحاول ان تفرض الأجندة الخاصة وهذا ما حدث للثورة في اليمن عندما اندفعت الجماهير تطالب بإسقاط الرئيس علي عبد الله صالح لكن دول الخليج قد دفعت له طوق النجاة وتاجرت بدماء الجماهير لتطيل أمد الانتفاضة وتنفخ الروح في جثة الرئيس المحتضرة غير مبالية بما يحدث في الشارع اليمني والقتلى الذين يسقطون يوميا بنيران الجيش والأجهزة الأمنية التي يحركها المحسوبين على الرئيس صالح في صنعاء وتعز بدعم وتحريض من قوى عربية وإقليمية متنفذه بالمنطقة .
ان ربيع الثورات العربية الذي ازدهر لفترة محدودة وتفاعلت معه الجماهير بشكل ملفت للنظر وصل إلى حد التعاطف معه بالقلوب للكثير حتى وان لم يكن مشاركا في الساحات بدت جذوته تخفت قليلا والدائرة المتحلقه حوله ينفرط عقدها لإحساس الأكثرية بان ما حلموا به لم يتحقق ولو بالحد الأدنى لبروز تيارات مدعومة من جهات ذات مصالح مبطنة تريد من خلالها تفرض سطوتها كما تفعل السعودية و قطر وبعض دول الخليج
إن الربيع العربي الذي حلمت به الجماهير واستبشرت بقدومه قد غير ألوانه وكسته سحنة داكنة جعلته يفقد نضارته المعتادة ليدخل ضمن المتاجرة بدماء الشعوب لتحقيق أهداف تم التخطيط لها مسبقا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق